الأحد، 30 أكتوبر 2011

أيامي في كنــدا 3/4

رحلتي إلى كنـــــدا /الجزء الثالث – الصراعات النفسية-


كانت تلك الليلة الأولى التي أقضي بها بنوم هادئ بعد 17 عشر ساعة من الطيران في تلك الجزيرة الكندية النائية وكنت قد تكلمت في الجزء الثاني عن وصولي وغدائي في المطعم ووصفي للمنتجع الذي كنت فيه ، كانت ليلتي شبه متقلبة نوعا ما لعدم انسجامي مع ساعات الليل والنهار في الجزء الغربي من العالم ولها مصطلح بالإنجليزية نسيت اسمها للأسف ، في صباح اليوم التالي توجهت للاستقبال وقد أعطتني الموظفة خريطة للمنتجع تشبه خريطة الكنز بسبب رسومها بخط اليد، أثارت الموظفة تلك انتباهي للبسها قرطا لنجمة داود اليهودية عرفت فيما بعد أنها يهودية حيث إن اليهود يمثلون 1% من سكان كندا ولكنهم يحتلون أكثر من 80% من الاقتصاد والإعلام ، كان مقر البرنامج التدريبي في أحد أكواخ المنتجع وهنا دخلت إليه فماذا رأيت.


رأيت نمطا مختلفا للبرنامج التدريبي الذي اعتدت عليه كانت المجموعة عبارة عن حلقة دائرية تجلس على الأرض تذكرت بجلستهم تلك الأيام الجميلة عندما كنت في مكتبة خيرية وجلوسنا على الأرض نستمع للدرس إلا أن المفارقة هذه المرة أنني في كندا واختلاط والدرس باللغة الانجليزية ، الغرفة أشبه بفصل دراسي دون طاولات أو كراسي لوحات توضيحية وشرائط تجميلية ملونة معلقة على السقف وفي نهاية الغرفة مسرح وسبورة بيضاء لاحظت أن الغرفة جميلة جدا ونظيفة و مقسمة إلى جزأين يفصل بينهما باب كبير يسحب باليد فهمت فيما بعد أن الغرفة بها جزء نظري وآخر عملي مليء بالأدوات ، والجميع على الأرض كان عددنا خمسة وعشرون شخصا فقط ، بدا كل واحد بالتعريف عن نفسه وعندما جاء دوري وعرفت بنفسي تعلقت الأنظار بي أنظار امتزجت بالفضول والخوف والتطلع ليس لأن سحنتي مختلفة عنهم فحسب ولكني كنت المسلم العربي السعودي الوحيد هناك الجميع كانوا كنديين واثنان من أمريكا شعرت أن مهمتي هذه المرة ستكون أصعب من المرة الماضية عندما كنت في بريطانيا (تكلمت عن رحلتي لبريطانيا في مقال سابق) وذلك أن برنامجي في بريطانيا كان الجميع من مختلف دول العالم فالاختلاف سمة مشتركة أما هنا فأنا الوحيد المختلف.


بدا كل واحد يتكلم عن سبب تسجيله بالبرنامج كان البرنامج مقسم لجزأين الأول التعامل مع المراهقين والثاني هو علاج الغضب وهنا واجهتني مشكلة وهي أن الجميع كان لديهم مراهقين والجميع كانت لديهم نوبات غضب تحتاج علاج فهمت أنني ليس في برنامج تدريبي اعتيادي بل في برنامج تدريبي علاجي اكتشفت أنني الوحيد الذي لا يعاني شيئا والحمد لله ، ولكن كيف أساير ما يقولون هنا بدا كل واحد يحكي قصته وكأني في برنامج تلفزيوني اسمه آثار الغضب في الحياة الاجتماعية ولكني في مجموعة حقيقية هذه المرة بدأت بالحديث امرأة كانت تعمل مشغلة قطارات تقول هذه المرأة أنها فقدت عملها بسبب ضربها لرئيسها في العمل بأداة حادة حتى أفقدته وعيه واحتاج إلى عدة غرز لعلاجه ثم تكلم آخر وهو محامي فقد وظيفته بسبب انفعاله الشديد أمام عملاءه مما سبب من ابتعاد الزبائن عنه ثم تكلم رجل آخر وهو أمريكي أتى مع زوجته حيث أن زواجها مهدد بالخطر بسبب نوبات الغضب التي تنتابه مما يعرض حياة زوجته للخطر ثم تكلمت امرأة عن معاناتها مع أبنائها حيث باتوا يخشونها بسبب نوبات الغضب لديها حتى هرب أحد أبنائها من المنزل.

اكتشفت أنني محاط بقنابل موقوتة حولي لذا علي أن أتحلى دائما بالابتسامة إذا أردت أن أخرج كقطعة واحدة ، كان المسرح أحد الأدوات المستخدمة لإيصال رسائل مخفية يتم النقاش عنها بينهم بدأت المسرحية وكانت تتكلم عن أهمية أن يكون للإنسان شخصية محددة يعرف أين يقف وكيف يقف ومتى يتكلم ومتى يصمت ومتى يقول لا ومتى يقول نعم حيث أن الكثير من الناس لديه مشكلة في تحديد الشخصية من ضمن مقاطع المسرحية هو تعليم الفتاة متى تقول لا عند اقتراب رجل منها ، وهنا وفجأة وقفت امرأة وقالت  لقد مررت بهذا الموقف ولم أقل كلمة لا وفقدت أشرف ما أملك ثم أجهشت بالبكاء (الحمد لله على نعمة الحياء) وبدا الجميع يواسونها كانت المشاعر في تلك القاعة متصاعدة بوتيرة عالية تخيلت نفسي أعيش في مسلسل أمريكي تدور أحداثه حول الأسرار الاجتماعية في المجتمع ، في أداة أخرى من أدوات العلاج اسمها مربع الحقيقة حيث يقف المستفيد في مربع ويتكلم عن الحقائق المرة وهنا وقفت امرأة وبدأت تصرخ بأعلى صوتها وتعبر عما يجيش في داخلها وكيف أنها فقدت حضانة الأبناء بسبب إدمانها على الكحول أخذت تصرخ وتصرخ لعدة دقائق حتى خارت قواها أصابتني القشعريرة هنا وأنا أشاهد المرأة بتلك الحال تذكرت يوم أن اصطحبت أحد الأصدقاء للقراءة عليه بسبب عين أصابته والأحداث التي حدثت في غرفة الشيخ ولكن مع فارق التشبيه وكأنني أقرأ تلك المشاهد في كتاب ولكن هذه المرة كان كتابا حيا ناطقا.
هناك العديد من المشاهد في تلك الأيام التي قضيتها هناك ولكن ليس المهم أن أوردها بكل تفاصيلها ولكن المهم أنني خرجت ولدي نظرة مختلفة عن مجتمعنا المتدين المحافظ فهناك عدة أمور :
منها أن لدينا من الخير الكثير في تماسك أسرنا أكثر بكثير من المجتمع الغربي ولدينا حياء مستمد من ديننا الحنيف نفخر به ومنها أننا بحاجة لمحاضن مختصة بالاستشارات النفسية ليست موجودة لدينا للأسف ولا يكفي القاضي أو الشيخ لكي يقوم بذلك إذ لا بد من مختصين في مثل هذه الأمور .

تحياتي
اسامة الجامع 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق