الأحد، 30 أكتوبر 2011

أيامي في بريطانيا 3/3

المشهد الثالث




لم ترى عيني أجمل من القصر الذي كنت أعيش فيه وكأني أعيش في إحدى قلاع القرون الوسطى كان قصرا أبيضا ضخما تحيط به المساحات الخضراء يشقها بلاط حجري أثري تحفه الورود من كل جانب يمر بقربه نهر التايمز البريطاني وتستطيع أن ترى بنفسك البط والطيور تحوم حول النهر ونسائم الهواء البارد تلمس خديك عرفت فيما بعد أن مؤلف رواية أليس في بلاد العجائب ألف روايته في هذا القصر الذي أنام فيه با للروعة.



وأثناء تناولي للطعام جائتني السيدة السويسرية العجوز التي حدثتكم عنها في الحلقة السابقة وجلست إلى جواري وهي تنظر إلى من نظارتها القديمة وقالت بصوت عميق مجهد عركته الحياة :إنني عملت في عقود مضت في افريقيا في حملات التنصير المسيحية وعشت هناك سنوات طويلة في قرية افريقيا في كينيا وكنا نقوم بأعمالنا صبحا ومساء وفي نهاية اليوم نخلد للنوم في بداية قدومي للمشاركة في الحملة وفي أوائل أيامي أيقظني صوت ندي ينطلق في جوف الليل وقبل الفجر من جهة المسلمين كان صوتا فاجئني أول ما سمعته عرفت بعدها انه قداس المسلمين يصدح يوميا في مثل هذا الوقت في كل ليلة كنت استمع اليه وفي كل مرة كنت اشعر بالسعادة والطمأنينة عند سماعه واخلد للنوم (تقصد أذان الفجر وتسميه قداسا) والان وبعد كل هذه السنوات وبعد تقاعدي افتقدت هذا الصوت وبما أنك مسلم فهل تعرف أن تعمل هذا القداس مرة أخرى لأستمع إليه أنا في شوق لذلك.
 
حان وقت العشاء وكانت طريقة الاكل هو بوفيه مفتوح للجميع ولا توجد هناك خمور او لحم خنزير لقد أعد المكان لكي يكون صحيا جلست إلى طاولة ومعي صحن العشاء التي لم يكن لذيذا بالنسبة لي لكنه كان صحيا كما يقولون حتى (الكاتشاب) الذي أحبه غير موجود والسلطة الخضراء عنوان رئيسي في الاطباق ، كان الجو الطبيعي في القاعة جميل جدا لا توجد هناك مكيفات الجو رائع وكانت الإضاءة صفراء خافتة في جو شاعري جميل وكالعادة جلس على طاولتي سبعة اذكر انهم من الكاميرون واسبانيا وفرنسا وكندا وجورجيا وسويسرا وقبرص وكأني في اجتماع لهيئة الأمم المتحدة .
 


وأمام تلك المشاعر المتدفقة انطلقت حنجرتي بصوت الاذان الله أكبر الله أكبر وأنا أدرك أن المستمعين ليسوا بمسلمين حي الفلاح حي الفلاح في مكان لا يسمع فيه صوت الاذان أبدا حتى وصلت لا إله إلا الله وكنت متأكدا أن لفظ الجلالة لم ينطق في هذا المكان إلا الان وكنت صاحب الشرف في ذلك ، هنا فتحت عيني ورأيت منظرا لن أنساه رأيت أفواه فاغرة وعيونا شاخصة ووجوها تعلوها السكينة فمنهم من وضع ذقنه على الطاولة ينظر إلي ومنهم من وضع كفه على خده ومنهم من وضع كفيه على خديه الكل كان مشدوها في صوت لم يسمعوه من قبل وهنا التفت إلى تلك السيدة العجوز فإذا بها قد وضعت نظارتها على الطاولة وقطرات من الدموع انسكبت على وجنتيها تنظر إلي وقد اغرورقت عينيها بالدموع وتسارعت نبرات صوتها قائلة لي : ما الذي قلته لنا يا بني ماذا هذه الكلمات ما هذه النغمات أنا لم أفهم شيئا ولكنها كلمات دخلت لقلبي واستقرت في صدري .


انفض المجلس (لم أتمكن للاسف من إكمال قطعة البطاطس) وفي اليوم الاخير من رحلتي وفي الاجتماع الكبير للجميع وقفت تلك السيدة قائلة : إذا كان هناك أحد أريد أن أشكره هنا فإنني أشكر ذلك الشخص الجالس هناك العربي المسلم بيننا الذي أرجعني لسنوات خلت هي أجمل أيام عمري وعيشني لحظات سعيدة لم أشعر بها منذ زمن بعيد واحمد الله أني قابلته وأنا سعيدة جد بتواجده معنا ، التفت الجميع نحوي وبعد نهاية الاجتماع أقبل عدد غفير أتتني سيدة انجليزية وقالت لي إنني نادمة جدا أنني لم أكن معك وقت أعيش تلك اللحظات الروحانية الجميلة ثم أتاني رجل سويسري (صاحب الدين الكوكتيلي الذي ذكرته في حلقة سابقة) قال لي لقد غيرت نظرتي تجاه المسلمين لم أكن أعرف أنك أثرت فينا هكذا وشكرا على الورود (وكنت قد وزعت ورودا على حسابي الخاص لجميع الموجودين.
كل هذا الحديث وأنا أهم بأكل قطعة البطاطس التي أمامي لكنني لم أستطع لتأثري بما تقول فقلت لها لا بأس إذا كنت تريدين ذلك بإمكاني أن أسمعك صوت الاذان بالعربية ولكن يجب أن آخذ موافقة الموجودين لأنه أمر ديني (عادة الغرب لا يحبون الخوض في المسائل الدينية إلا إذا بداوا هم بالحديث عن ذلك ) فوافقوا جميعا واستعدوا لسماع صوت الاذان لأول مرة في هذا القصر في اكسفورد ببريطانيا ، أغمضت عيني وتخيلت نفسي في المسجد وأمام المحراب وتخيلت نفسي في مسجد حارتنا عندما كان الإمام ينوّبني في الاذان والإقامة والإمامة،

اقتربت مني أتتني امرأة أمريكية وأعطتني بطاقة مغلفة وقالت لي رجاء لا تفتحها إلا عند صعودك للطائرة – تخيلت نفسي أنني في فيلم أمريكي- استغربت من هذا التصرف ، فيما بعد وعند صعودي للطائرة فتحت البطاقة وإذا بها توقيع كل الموجودين وبجانب كل اسم كلمات توديع لقد تناقلوا البطاقة من يد ليد يكتبون اهدائاتهم لي لم يفعلوا ذلك لأحد سواي تأثرت جدا بالموقف ، (لقد نجحت ) هكذا قلت لنفسي لقد نجحت أن أضيف لسمعة المسلمين صورة إيجابية لقد نجحت في أن أحقق هدفي الذي ذكرته في الحلقة الأولى والحمد لله.


تحياتي/
أسامة الجامع

هناك 5 تعليقات: