الأحد، 4 سبتمبر 2011

أفلام الكرتون والبحث عن الهوية

في أحد مطاعم دمشق الجميلة وعلى هامش وجبة الغداء للمشويات السورية اللذيذة كان لي حوار مع أحد مسؤولي قناة سبيس تون ، كان رجلا ممتلئا عمليا وأخذ يتحدث عن استراتيجية قناته المقبلة وكيف أنها تحمل الكثير من القيم المفيدة للطفل وتحدث كذلك عن قناة مقبلة فتية اسمها قناة الشباب (جرى إطلاقها حاليا) تحت مظلة سبيس تون وهي القناة التي تتلقف مشاهدي سبيس تون للأطفال بعدما كبروا و أصبحوا فتيانا ومراهقين وهاجم كذلك القنوات الفضائية الأخرى للأطفال مثل MBC3 وتحدث عن وجود أجندة لدى إدارة هذه القناة يريدون تمريرها لدى البيوت الخليجية أجندة مدتها عشرات السنوات لبناء فكر غربي ممجوج يظهر أثره بعد حين.وأثنى على قناته سبيس تون وكيف أنها لا تسمح بأفكار هدامة ولا تتجاوز الخطوط الحمراء للعائلة الخليجية ، كان حوار ممتعا في الحقيقة ليس بسبب المضمون فقط ولكن بسبب الفرصة للتحدث مع من لديهم إطلاع عن آلة إعلامية تدخل بيتك لترى وتلمس بنفسك كيف يفكر هؤلاء .



وبينما أخذ الضيف يكيل المديح لنفسه ولقناته سرح خاطري أسفا على حال واقعنا الاعلامي الموجه لثقافة الطفل وتذكرت كتبا قرأته للداعية الاسلامي الأردني يوسف العظم رحمه الله بعنوان (رحلة الضياع للإعلام العربي المعاصر ) أذكر أني قرأته مرتين تحدث فيه عن سيطرة الفكر الإعلامي المستغرب على العالم العربي وكيف نشأ وكيف همش الفكر الاسلامي على مر العقود مرورا بمصر وصولا بالشام عىل جميع الأصعدة التلفزيون والإذاعة والصحف ، نعود لموضوعنا فأقول أن الناظر لواقع القنوات الفضائية الموجهة للطفل يكتشف أنها تحمل ثقافتين مدبلجتين:الأولى: هي الثقافة الأمريكية ممثلة بقنوات MBC3 ومن على شاكلتها مثل التي استوردت أفلاما للكرتون أمريكية ودبلجتها بقصصها المختلفة وما تحمله من ثقافة مختلفة تماما عن الواقع الذي يعيشه الطفل ورغم أن هذه المنتجات وضعت للتسلية بقالب سلبي من الناحية الشرعية وخاصة علاقة الفتى بالفتاة إلا أن هناك بعض أفلام الكرتون جيدة نوعا ما ولكنها قليلة جدا مثل الأفلام الكرتونية التي تتحدث عن قصص الحيوانات مثلا ومنتجات دزني التي اتهمت في كثير من إنتاجاتها بالعنصرية تجاه السود.

ثانيا: الثقافة اليابانية وقد اكتسحت أفلامها وبرامجها العالم العربي برمته ولم تستطع البرامج الكرتونية الأمريكية مقارعتها بل 
إن تفوق الآلة الكرتونية اليابانية أدى بهم إلى إنتاج أفلام كرتون يابانية موجهة للبالغين ، أقول أن أفلام الكرتون اليابانية جذبت السوق العربية في مرحلة ما قبل القنوات الفضائية بمادة مشوقة نجحت نجاحا باهرا في العالم العربي استثمرت من خلاله قصص ألف وليلة العربية وجمعت أساطين أشهر الشخصيات الخيالية العربية الثلاثة (السندباد – علاء الدين – علي بابا) والتي تحمل كل شخصية قصة منفصلة ووضعتهم في قصة واحدة وكلنا يذكر كرتون السندباد التي تدور أحداثه في عصور الخلافة الاسلامية عندما تلتقي الشخصيات الثلاث مع بعضها البعض بملابس ومدن وأسماء عربية بل كانت بداية حلقة هذا المسلسل هي مشهد السندباد وهو يصلي بطريقة مضحكة حذفته بعض القنوات العربية.
ويخطئ من يظن أن أفلام الكرتون اليابانية أقرب للعالم العربي من حيث المحافظة الأخلاقية ففي الوقت التي كانت الأفلام الكرتونية الأمريكية تحترم بإسم القانون معدل أعمار الأطفال وتتجنب وضع لقطات غير لائقة بحسب عرفهم هم طبعا كانت الأفلام اليابانية ذات الخلفية البوذية تفتقد للوعي العمري والزمني للأطفال وبسبب كون القائمين في القنوات العربية على بث تلك البرامج من الأجانب وغير المسلمين في فترة ما قبل الفضائيات كانت هناك لقطات عري غريبة تدخل ضمن المشاهد دون حذف انتبهت لها القنوات الفضائية العربية فيما بعد وحذفت وكان أبرزها مسلسل كرتوني اسمه (ساسوكي).ومن الطوام التي وجدت لدى المسلسلات اليابانية والتي لا تجدها منتشرة لدى مسلسلات الأطفال الأمريكية كثرة مشاهد السحر والشعوذة وإبراز أصحابها أنهم أبطال وكانت هذه ظاهرة مؤثرة في عقلية الطفل العربي وأذكر أحد الأساتذة أخبرني كيف أن طفلا في المرحلة الابتدائية أتاه يسأله كيف السبيل أن يصبح ساحرا ليساعد الضعفاء وعند سؤاله عن المصدر ذكر أنه كان يتابع حلقات السندباد.إلا أن من الأمور الإيجابية التي تفوقت بها الأفلام الكرتونية اليابانية هي كثرة القيم الإنسانية النبيلة والعميقة ذات المشاعر الموجودة في المسلسل وترجمة الأعمال الأدبية العالمية إلى قصص محببة للأطفال وكلنا يذكر (حكايات لا تنسى) و (أحلى الأيام).
هذه الميزة تفتقدها الأفلام الكرتونية الأمريكية التي اشتهرت بالخيال العلمي والقوة والعنف إلا أن هذه الميزة بدأت بالضعف مع الجيل الجديد لأفلام الكرتون اليابانية التي بدت تجارية نوعا ما. وقد صرح بذلك أحد أشهر الشخصيات الصوتية العربية المدبلجة لأفلام الكرتون – جهاد الأطرش – و – وحيد جلال – اللذان مثلا بصوتيهما في مسلسلي (غريندايزر- دايسكي) (وجزيرة الكنز- سيلفر) في مقابلة لدى إحدى القنوات اللبنانية التي شاهدتها بنفسي عن عزوفه عن العمل بسبب رداءة النص وهبوط مستوى القيم الأخلاقية لدى المسلسلات الكرتونية التي أصبحت تجارية هذا الرجل جهاد الأطرش كان سبب نوعيا في نجاح مسلسل غريندايزر التي أعلنت الشركة اليابانية أن فوجئت بالنجاح الكبير لهذا المسلسل في العالم العربي رغم محدودية نجاحه في اليابان وذكروا أن سبب نجاح النسخة العربية هو صوت وحنجرة – جهاد الأطرشكل تلك الأفكار مرت علي وأنا على طاولة الطعام مستمتعا بحديث الضيف من قناة سبيس تون وأنا أتساءل متى نتحرر من دفتي المسلسلات الكرتونية اليابانية والأمريكية ومتى تكون لنا هوية مستقلة لدى برامجنا الخاصة بنا ففي الوقت التي انطلقت تلك المؤسسات لصناعة تلك الأفلام الكرتونية وأسست لها قاعدة شعبية عريضة في العالم العربي وفي نفس الوقت كانت هناك حرب شعواء من قبل بعض المرجعيات الدينية تجاه بعض المؤسسات الإعلامية الاسلامية في تركيا وماليزيا بالتعاون مع شركات عربية اسلامية لإنتاج أفلام كرتون ذات طابع اسلامي وقد استهلكت الكثير من الوقت وضاع الكثير من الجهد في مهاترات من أمثال هل يجوز أن ننتج أفلاما كرتونية أم لا في الوقت الذي يجلس فيه أبنائنا بالساعات أمام كل مستورد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق