الأحد، 4 سبتمبر 2011

تأملات في سيكلوجية ضعف القراءة

كان الصباح باكرا عندما انطلق الباص بسرعة معتدلة من مطار لندن إلى مدينة اكسفورد والتي تبعد ما يقارب من 120 كلم امتلأت نصف مقاعد الباص وانشغل الكل بما يخصه محاولين قضاء الوقت المتبقي حتى الوصول .
لفت انتباهي وأنا في الباص مجموعة من الأشخاص كانت لديهم كتبا صغيرة شرعوا في قراءتها حاولت اختلاس النظر لعناوين هذه الكتب البعض منها روايات والبعض منه كتبا أدبية لعلها كتبا تخصصية ، كان الجو هادئا جدا أحسست أن الكل أراد الاستفادة من هذا الوقت الممل في الباص كان الباص نظيفا لدرجة أني اعتقدت أنه قد خرجت للتو من المصنع حتى المقاعد كانت نظيفة ، قارنت ذلك بالباصات في مدينتنا الدمام أو الخبر أو الرياض إذ تجد ذكريات من ركبوا هذا الباص معلّمة على جنبات المقاعد بأقلام ملونة وكأنهم اكتشفوا أرضا جديدة أرادوا أن يضعوا لمساتهم عليها .
في مشهد آخر في مدينة فانكوفر في كندا كنت متوجها نحو الميناء للحاق بباخرة كانت متوجهة لجزيرة فانكوفر ركبت الباخرة على عجالة وجلست في مقاعدها كانت باخرة كبيرة جدا محملة بالسيارات والناس إذ كان الناس يأخذون سياراتهم معهم متوجهين لأعمالهم على أرض الجزيرة ، نفس المشهد تكرر لدي رأيت غير قليل من الناس قد شرعوا في قراءة كتب أحضروها معهم كانت كتبا صغيرة الحجم مناسبة وكأنها قد خصص للرحلات والسفر .
في مشهد ثالث رايته حدث في مطار الملك فهد بالدمام عندما كنت في انتظار الطائرة وعلى مقاعد الانتظار كان هناك جمهرة من الناس في صالة الانتظار كان الجو حيويا جدا البعض يتبادل أطراف الحديث مع آخرين والبعض الآخر صامت يحملق في أرض المطار وآخرون بعائلاتهم يحاولون كف أذى أبنائهم عن العامة.
إلا أنني عندما أجلت النظر في الناس هناك لم أجد واحدا يقرا سوى واحد عرفت عندما اقتربت منه من الخلف أن ما يقرأه كان عبارة عن مجلة تتكلم عن إحياء مغنية لحفلة في إحدى الدول الخليجية كان متمعنا في صورة المغنية أكثر بكثير مما كتب عن الحفلة.
أين الخلل ؟
كانت تلك المشاهد عبارة عن ذكريات مبعثرة في حياتي جمعتها من أجل خدمة هذا الموضوع الذي أرّق الغيورين من المجتمع .لقد اكتشفت في النهاية أن القراءة هي ليست قرار تتخذه في لحظة ما وتقول لنفسك سوف أكون قارئا جيدا الآن ولكن المسالة أعمق من ذلك بكثير.
هناك عالم سيكولوجي يدعى (باون) كان لديه تحليل متميز في العلاقات الإنسانية والأسرية حيث كان يقول (أن  العادات السلوكية التي تملكها أنت والمتجذرة فيك إنما هي متوارثة من الأب أو الأم سواء كانت سلبية أم إيجابية .).
ومن هنا نفهم أن القراءة هي عادة متمكنة داخل الإنسان تنشأ من الداخل مثل عادة تفريش الأسنان أو لبس معين أو لهجة معينة أو أكلة معينة .لذلك تجد أن من الناس من يقرأ بنهم ويستمتع بالقراءة ومن الناس من يجاهد نفسه على القراءة وربما بدا بكتاب أو اثنين ولم ينهه .
إنها ثقافة أسرة ؟
تلعب الدرجة الثقافية للأسرة دورا رئيسيا في وعي الأبناء وطريقة تفكيرهم فالأب أو الأم اللذين لهما درجة علمية عالية تكون ثقافة القراءة غالبا موجودة على الأقل من خلال انشغال الأب بالبحث والتحصيل أو ترتيب الأم لمكتبة المنزل فينشأ الابن أو البنت هنا على مشاهد ثقافية تصبح مألوفة لديه فيما بعد مشاهد الورقة والقلم والكتاب المصفوف في رفوف المكتبة وتصفح الأم للكتاب وتكليف الابن بإحضار الكتاب من مكتبة المنزل ، إن مجرد وجود الابن في هذا الجو يجعل عادة القراءة قريبة له محببة إليه ويعتمد ذلك بقوة على طريقة تعامل الوالدين مع الكتاب .


ولعل أكثر الأخوة والأخوات قراءة هم اللذين كانت آبائهم وأمهاتهم يقرأون عليهم قصصا في الصغر ويتبادلون التعليقات حوله جنبا إلى جنب والكتاب الملوّن المصور بين أيديهم . لذلك كانت حب القراءة عادة من ضمن عادات الأسرة المختلفة بل إن تلك الأسرة تناقش أبنائها في كيفية المحافظة على الكتاب وكيفية تقليب صفحاته بهدوء .
إلا أنه لا يشترط بالضرورة أن الدرجة العلمية للأسرة تتحكم بغرس عادة القراءة لدى الابن الذي قد يتأثر بصورة أو بأخرى بأستاذه في المدرسة أو أحد أقربائه أو زملاءه إلا أنه مما لا شك فيه أن الدرجة العلمية للأسرة تؤثر على حب الأبناء للقراءة بدرجات متفاوتة .
ولا عجب أن نجد أن هناك فرقا شاسعا في مبيعات الكتب بين الدول الغربية والدول العربية فالدول العربية الإحصائيات لديها بالآلاف بينما الدول الغربية الإحصائيات لديها بالملايين   فقد أصدر مؤتمر حركة التأليف والنشر العربي لعام 2009 بيانا وضح فيه أن معدل القراءة في العالم العربي لا يتجاوز 4% من معدل القراءة في بريطانيا مثلا.
وأذكر أنه عندما ألّفت كتابا للعامة طرح في الأسواق بيع منه ثلاثة آلاف نسخة كان ذلك هو حجم قراءة المجتمع للكتب . عدا ذلك فإن مجتمعنا اعتاد على التوزيع الخيري بدلا من التحصيل العلمي للكتب وظهر ذلك جليا عندما ألّفت كتاب آخر كان حجم المبيعات فيه 5000 آلاف كتاب إلا أن حجم الطلب للتوزيع الخيري كان 15.000 كتاب ، الأعداد كلها قرأت ولكن شتّان بين الدافعين الأول الدافع ذاتي إذ كان رغبة في الشراء والتعلم والآخر خيري ولن يتعلم أبدا من اعتمد على الكتب الخيرية تأتيه إلى باب منزله .
إن غرس حب القراءة ينبغي أن يكون منذ الطفولة الأولى في تحبيب الأطفال للكتب الخاصة بهم بشرط أن تكون متضمنة صورا ذات ألوان زاهية وجودة عالية في الإخراج والفكرة الجديدة بدلا من كتب النصوص الخالية من الصور والتي رأيتها في بعض المكتبات هنا ، هذا أردنا فعلا أن نجعل طفلنا يمتزج بالكتاب ، بل إذا أردنا فعلا أن ننافس كتابا عالميا مثل كتاب الأطفال –هاري بوتر- مثلا لمؤلفته البريطانية ( جي.كي.رولينغ ) والمخصص للأطفال الذي تجاوزت عدد مبيعاته 100 مليون نسخة وتتعجب أكثر إذا علمت أن عدد صفحات الكتاب يصل إلى 400 صفحة فما الذي يجعل طفلا يشتريه فضلا على أن يقرأه إنها بلا شك .....ثقافة أسرة.... وجودة منتج .

إن ضعف المؤسسات الحكومية والخاصة في دعم حركة التأليف داخل المجتمع ساهم بدرجة كبيرة على عدم خلق الجو الثقافي لأبنائه فهل سمعنا بتكريم مؤلفين أو فوز كتاب ما في لائحة أفضل الكتب مبيعا وجودة !!.
والذي أنصحه في الوقت الحالي لمن يريد القراءة أن يقرأ فيما يحب أن يقرأه في البداية ولا يرغم نفسه على قراءة ما لا يحب لئلا ينفر والأمر الآخر أنه إذا اشترى كتاب فبإمكانه في البداية أن يفتح الفهرس ويختار قراءة المواضيع التي تجذبه في البداية والطريقة الثالثة هو الاشتراك في دوريات شهرية هي ملخصات لكتب تكون مختارة ومنتقاة في مجالات مختلفة
بقلم / أسامة عبد الرؤوف الجامع

هناك تعليق واحد:

  1. "إن غرس حب القراءة ينبغي أن يكون منذ الطفولة الأولى في تحبيب الأطفال للكتب الخاصة بهم " 👍👍👍



    بارك الله فيك.

    ردحذف