الأحد، 4 سبتمبر 2011

معايير النضج في الحوار

مقدمة:
عندما تقاس حضارة ما فإنها تقاس بعدة أمور مثل الجانب العسكري والمعماري والعلمي والثقافي ومن جزئيات هذا القياس هو معايير نضج الحوار في هذا المجتمع ومدى تغلغل وجود الحوار داخله وبين طبقاته المختلفة .فكان من مميزات حضارة الرومان مثلا وجود برلمان تشاوري لدى الطبقة الحاكمة ساهم بشكل كبير في استقرار وتوسع الحضارة الرومانية دهرا من الزمن حتى عصفت بهم الاغتيالات السياسية فيما بعد .

أما لدى العرب في الجاهلية فلم يكن الحوار موجود بصورة ناضجة بل كان الغزو من قبيلة إلى قبيلة أخرى ولو ظلما حتى أتى الإسلام وتفاجأ ذلك المجتمع الشرس الذي اعتاد الحروب بجمال وبلاغة القران الكريم ونزلت آيات لأول مرة يسمعونها واندهشوا ليس للبلاغة فقط ولكن لنماذج الحوار القصصي الموجودة
والتي لم يعتدها ذلك المجتمع قط .وقرأت القبائل ولأول مرة الحوار بين إبراهيم عليه السلام وبين أبيه والأدب في أسلوب إبراهيم بقوله (يا أبت) وقرأن القبائل أسلوب الحوار المستجدي هذه المرة بين نوح عليه السلام وبين ابنه (يا بني اركب معنا ) وقرأت القبائل أسلوب الحوار بين موسى عليه السلام وفرعون وقد أرشد الله تعالى موسى بقوله (وقولا له قولا لينا)

هنا تأثر الفكر الثقافي لدى قبائل العرب بهذه الحوارات ورغم تخلف تلك القبائل في الجانب العمراني إلا أنها أضحت من قبائل متناحرة إلى قبائل مفكرة تحمل رسالة وقيم وأسلوب تعامل ومنطق حواري راقي فكانت البنية التحتية لإمبراطورية إسلامية استمرت زهاء عشرة قرون.
معايير النضج الحواري :إن لكل تقدم حضاري معايير يحتكم إليها وعندما نقول النضج الحواري في مجتمعنا فإن لهذا النضج معايير ينبغي أن توجد لكي يطلق على إنسان بعينه أنه ناضج حواريا ولعلي إخواني الحضور ألخصها في ثلاثة نقاط :المعيار الأول : الحوار على مستوى الأفكار :فالإنسان الثقافي إذا أراد أن يرتقي بحواره نحو مستوى التغيير فإن من أولويات إهتمامه أن تكون في مستوى الأفكار أثناء الحوار إذا أن الحوار في نضجه مقسم إلى ثلاثة أقسام :مستوى الأفكار مستوى الأشخاصمستوى الأشياء

فالإنسان البدائي في حواراته يهتم بما رخصت قيمته من أشياء فتجد البعض يغلب على كلامه الحديث عن الأشياء مثل آخر المشتروات وآخر الموديلات وأهم الأجهزة
وأفخر أنواع السيارات .أما الإنسان الأكثر تطورا منه فيتكلم عن مستوى الأشخاص فتجد رجلا حضر محاضرة ثم خرج منها فيبدأ يتكلم عن المحاضر وعن مدى معرفته به ومن هو وأسلوبه ومن كان معه
أما الإنسان الأكثر تطورا على الإطلاق فلو أنه حضر هذه المحاضرة لتكلم عن الفوائد التي حصل عليها من المحاضرة وما هي أهم الأفكار التي
لفتت انتباهه وما هي القناعات التي تبدلت لديه أو أضافتها له المحاضرة .

لذلك تجد أن المجتمعات تتغير وتتطور من قبل الفلاسفة والكتاب والمفكرين ومن دار في فلكهم وليس غيرهم فهم الذين يقودون المجتمعات وتتشكل من خلالهم الثقافات عبر القرون ، لذا فإنك تجد أن الذي غير العرب هو القرآن الكريم وليس الشعر لأن القران الكريم وطوال الثلاثة عشر عاما كان ينزل مرسخا للمعتقدات أي على مستوى الأفكار بينما الشعر يكون يحوم حول الرثاء والمديح والغزل والهجاء والحروب والفخر وقليل من الحكم أي أن الشعر جله كان على مستوى
الأشخاص والأشياء .لذلك كان الفن الراقي في التمثيل والأغنية والشعر والمسرح هو ما خاطب أفكار المجتمعات وليس غرائزهم أو هواهم .
بقلم/اسامة الجامع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق