السبت، 27 فبراير 2016

الوعي والتحرش الجنسي للفتاة وبعده النفسي

إن الحديث عن حالات التحرش هو حديث حساس، هكذا هي العبارة التي أواجهها دوما عند استقبالي لبريد الكتروني تتحدث به فتاة تعرضت للتحرش، إلا أن شدة الاعتقاد بها أضرت بقضية التحرش الجنسي، وأغلب قضايا التحرش تدفن في الرمال، فالخوف من الآخرين يسيطر على الفتاة لدرجة تجعلها تصمت، وهذا مفهوم جدا في مجتمع ثقافة الحديث عن المشكلة محرج بالنسبة لهم فكيف بمشكلة بمثل هذا المستوى، التحرش لا يشمل فقط الفتيات بل الفتيان أيضا، إلا وضع البنت الاجتماعي في مجتمعنا يجعلها أكثر حرجا.
إن ما يقتات به الإنسان المتحرش ويويده قوة هو صمت الفتاة، لم يكن المتحرش يمارس فعله الشنيع بتكرار لولا أن رأى فتاة لا تنبس ببنت شفة كلما أقدم على فعلته، وتهرب يغلفها الصمت والعار والخوف من الفضيحة، أو هكذا تظن، المتحرش لا يقترب من الفتاة التي تجعل فعلته نار تلظى عندما اقترب فهو لا يريد فتاة تصرخ وتفضحه وتقاومه، أثناء استقبالي لقضايا التحرش عبر الهاتف الاستشاري أو البريد الالكتروني أو المقابلة العيادية وجدت أن من تقع ضحية لتحرش تكون مهيئة مسبقا بشخصية ضعيفة هكذا تربت وهكذا تجرأت عليها اليد الآثمة، التحرش قد يحدث في أي مكان مثل المدرسة والشارع والمحلات التجارية، وقد يكون بالمنزل من قبل أحد الأقرباء وهو الأغلب وهو الأكثر صمتا.
 إن الفتاة الواثقة من نفسها التي تلقت من قبل والديها العديد من التحذيرات حول الموضوع قلما تقع ضحية للمتحرش فهي لا تصلح له وليس الذي يبحث عنها، لذا إن أفضل طريقة تربوية ليس تجنيب الفتاة الذهاب بمفردها وإخفائها فالفتاة لا بد أن تواجه المجتمع بل بتعليمها كيف تتعامل مع التحرش، وأفضل طريقة لمواجهة المتحرش ضرب الوقود الذي يحركه وهي ثقته بنفسه أن الضحية ستصمت وتخاف وتقمع مشاعرها ثم ستبكي وتعود لأهلها ولن تخبر أحدا وهو بالفعل ما يحدث، المتحرش لا يبدأ الخطوة بالتحرش الجسدي المباشر بل يطلق ما أسميه ببالونات اختبار ليرى ردة فعل الفتاة، فإن لم يجد شيئا تجرأ أكثر لذا على الفتاة أن تحرقه بردة فعلها منذ البداية ا أن تخبر أهلها وبمن تثق وقبل أن يصعد باعتدائه لمستويات أعلى وسيفر سريعا.
لكن ماذا لو كان المتحرش هو أحد الأقرباء، من الأخطاء الفادحة التي تحدث هو كتم الموضوع وتمريره وكأن شيئا لم يحصل، والصحيح الوقوف عنده لكن أيضا ليس المطلوب فضح الموضوع على رؤس الخلائق، لا بد من طلب المساعدة من كبير في العائلة وينتشر الموضوع بين أقطاب الأكثر تأثيرا بالعائلة لكن أبدا ينبغي للمتحرش بها ألا تصمت، وكما قلت المتحرش يتغذى بصمت الفتاة ليزداد قوة.
ماذا عن الحالة النفسية لمن تعرضت للتحرش أو الاغتصاب، ماذا تفعل، يختلف كل فتاة كردة فعل لما حصل لها وكلما كانت ثقتها بنفسها ضعيفة كلما تضررت نفسيا أكثر، لا بد هنا من الذهاب لمختص نفسي لمساعدتها من الخروج مما هي فيه من صدمة، قد تكون مصابة بآثار ما بعد الصدمة Post stress traumatic disorder فتأتيها الأحلام والكوابيس أو تتضرر حالتها الاجتماعية فترفض كل خاطب يطلب الزواج منها وتفقد الثقة بالرجال، أو قد تصاب بالاكتئاب Major depression تعتزل الناس وتفقد شهيتها ولا أحد يعرف لماذا، والخطأ كل الخطأ الاحتفاظ بالمشكلة داخل الضحية فهو ليس من صالحها على المدى البعيد، تبقى مشكلة ثقافة المجتمع الذي يقبل أن تتعرض الفتاة لأقسى أنواع العذاب لكتمها مشاعرها على أن تذهب لأخصائي نفسي اكلينيكي أو طبيب نفسي، يعتقدون أنه عار وخزي، لكن الذي لا يعرفونه أنهم يفقدون ابنتهم سريعا على مر الزمن.
الأسوأ عندما يطلب الأهل من الفتاة الصمت وهم يعرفون المتحرش فيصبح الأهل جزء من المشكلة بدلا أن يكونوا جزءا من الحل، ويساهم بعض الأهالي من جعل الفتاة تتحمل جزءا من المشكلة، فيغشاها الشعور بالذنب، وللأسف لا يوجد قانون يحمي من التحرش، والفتاة ينبغي أن تكون محمية بقوانين البلاد بأقسى العقوبات لمن يجرؤ على المس بها، بغض النظر عن اللباس أو المظهر فهو موضوع آخر لا يبرر الوقوع بالخطأ، أدعو الجهات المسؤولة أيضا لعقد دورات للمرشدين والمرشدات في كيفية علاج التحرش الجنسي بالمدارس خاصة، ولكل من تعرضت للتحرش لا توجد مشكلة ليس لها حل، ولا توجد دنيا سوداء، هناك دائما أمل، وهناك دائما حل لو اتخذت القرار الجريء. في النهاية ينبغي التصدي لهذه المشكلة قبل أن تتحول إلى ظاهرة وعدم إخفاء الموضوع بحجة أننا مجتمع محافظ فهذا من الجهل، أتمنى وجود دراسات وبحوث لهذه الظاهرة وتستثمر تلك الدراسات في توعية المجتمع والحديث عنها في وسائل الاعلام.

أسامة عبدالرؤوف الجامع - أخصائي ومعالج نفسي بالعيادة النفسية التابعة للشؤون الصحية بالمنطقة الشرقية.

هناك 13 تعليقًا:

  1. السلام عليكم
    د.أسامة ماهي جميع آثار التحرش بالفتاة؟؟

    ردحذف
  2. مقال ممتاز لامس مايحدث في المجتمع فعلا

    ردحذف
  3. جزاكم الله خير تجنبوا صور الارواح المحرمة ..
    لي تعليق ايضا على المقال هو ينبغي ايضا الفتاة تحافظ على نفسها و ذلك بارتداء اللباس المحتشم و بارتداء العباءة الشرعية الواسعة الغير مزخرفة كي ترضي الله أولا و تحمي نفسها بإذن الله .

    ردحذف
    الردود
    1. كم من متسترة ستر كامل لا يظهر منها شيئا وقد تعبت من كثرة التحرش يا عزيزي.

      حذف
  4. اشكرك أستاذ اسامة على هذه المقالة القيمة، فكلا الجنسين من الصغار والكبار يتعرضون للتحرش في مجتمعاتنا. هناك نقطة اختلف فيها معك التي تتعلق بأن " ان التحرش يحصل للشخصية الضعيفة او كما ذكرت ثقتها بنفسها ضعيفة!" الاغتصاب والتحرش قد يحصل لأي شخص بغض النظر عن شخصيته. طريقة معالجة الموضوع وردة الفعل بعد حدوث الامر هي التي تختلف من شخصية لآخرى.

    ردحذف
  5. إما أن تؤمن برب خالق يعبد
    ورسول يشرع فيطاع
    أو اتخذ هواك إلها وشهواتك رسولا

    وأعمل عقلك في أخطاء المتمسكين بالإسلام لتبرر به عجزك عن التمسك بأوامر الدين وضعفك أمام شهواتك

    ردحذف
  6. ياللذي تتكلم عن العباءه:
    التحرش بمجتمعنا ياتي من القرائب والمحارم المراهقين او الشبان ع وجه الخصوص
    ثانيا:ياتي من الخدم ع الاطفاب والمراهقين

    ردحذف
  7. هذا بالنسبه للمتحرش به .. كيف ان وجد في العائله مراهق يتحرش بالاصغر منه رغم الرقابه الشديده لكنه يستغل اي فرصه فنا هو الاجراء المناسب للتعامل معه وهل يعتبر مريض نفسي

    ردحذف
  8. كيف تتكلم او تتعالج وهي لا تملك المال لاجل العلاج ولاجل الجلسات ولا احد حولها يسمعها

    ردحذف
  9. دايم أسمع غن رجال القصيم ان عدد مهول منهم شاذين جنسيا ليه ماحد سوه دراسه شاف الاسباب وعلاجها من سنوات والموضوع منتشر فضيع بالقصيم وش تنتظرون والأدها والأمر المتزوج وشذنب زوجته هذا شلون بيربي عياله ؟؟؟؟ الله يهدي ويشفي الجميع

    ردحذف
  10. ابي استشاره نفسية كيف طريقة التواصل؟

    ردحذف
  11. دكتور انا عمري ثلاثين ومازلت اعاني من اثار العنف والاساءه لي عندما كنت طفله ومراهقه حاولت اتناسى وكونت نفسي الين كبرت وصرت اقوى لكن عندما انام اتذكر كل التفاصيل ولا استطيع نسيان الماضي او التعايش معه مثلما توقعت ان افعل اذا اصبحت اقوى واكبر احتاج اراجع عيادتك دكتور احتاج اعرف ايش الخطوه التاليه ممكن تساعدني

    ردحذف
  12. رغم أن المقالة قديمة جدا ولكن لي تعقيب بسيط على رأي الدكتور في الجزئية التي قال فيها لاعلاقة لتستر وحشمة لباس البنت في موضوع التحرش وذلك للأسف وجهة نظر غير صائبة يادكتور
    إذ أن البنت كلما كانت متسترة ومحتشمة في لباسها ومؤدبة ورزينة أمام الأقرباء الذين يتوقع منهم تلك التحرشات فلن يتجرأ أحدا القرب منها
    وذلك هو دور الأم والاب في لباسها وحشمتها وتسترها وينبغي عليك في مقالة أخرى التشديد على الأسر من هذه الناخية ودمتزمشكورا.

    ردحذف